
منتدى السّلطات المحليَة الدرزيّة يعلن "النّضال".
كايد سلامة
المواطن الدرزي ما زال يعيش بين المطرقة والسّدان، فَمن جهةٍ هو أَسير ضعف منتخبيه و"الطموح الواهم" للقيادة الدينيّة، الَّتِي تقف أيضا بوجه أيّ تحرّك نضاليٍّ حقيقيٍّ للدروز، ومن جهة أخرى ضحيّة سياسةِ الدولةِ المجحفة الآخذة بالازدياد نحو العنصريّة اتجاه الأقلّيّة العربيّة.
الدولة لم تَر بنا نَحْنُ الدُروز يوما مواطنين ذوي حقوق متساوية، فهي منذ نشأتها عملت على تهميشنا ومصادرة أراضينا، وتَقومُ بتشريع القوانين العنصريّة ضدَّنا، وتتعامل معنا بنديّة، بأننا أَقلّ شأنا من مواطنيها اليهود، وَبعض "القيادات" الدرزية راضخة وَمُسَلِّمَة ومباركة لهذا الوضع مع وابلٍ من الحجج.
شح الميزانيّات وسياسة التضييق فيما يتعلّق بالأرض والمسكن والخدمات لا يعني "لقيادتنا" الكثير، اللهم إلّا من باب رفع العتب تُعَبِّر هنا وهناك عن "غضبها".
المواطن الدرزي هو من سمح لنفسه أن يصل إلى ما هو عليه، وَما زالت الأكثريّةُ منّا تتسابق في التملّق وتمسيح الجوخ لقياداتها الانتهازيّة الضّعيفة الْواهِنَة، رغم يقينهم أنها لا تملك القوّة ولا الرّؤية من أجل دفع عمليّه تقدم مجتمعنا ورفع معاناتنا المزمنة.
"النتائج" التي "حصل" عليها منتدى السّلطات المحليّة الدرزيّة في "نضالهم" الأخير صفر، لأنّ قسم من رؤساء المجالس في القرى الدرزيّة ليسوا على قدر المسؤوليّة الملقاة على عاتِقِهِم، سقف طلباتهم بعيد عن الهدف المنشود، ومرّة تلو المرّة ينصاعوا ويقبلوا بوعود السّلطة! وَبِما أَنَّ نقطة انطلاق محادثاتهم مع المسؤولين في الدولة تكون داخل مربّع المواطنة المنقوصة، فَقَدْ أثبتوا أنّهم جماعة لا تربطهم أَيّة صلةٍ بالنّضال، ولا توجد لديهم خطّة مدروسة ولا مطالب محدّدة من أجل تحقيق المساواة وانتزاع حقوق المواطنة لرعيّتها، ولا حتى معالجة المطالب الملحّة الخانقة التي يعاني منها المواطنون الدروز، وَكما هِي العادة فَقَدِ اكتَفوا بوعود وإقامة لجانٍ لفحص المطالب!
المظاهرات الأخيرة كانت شكليّة وَتَتْمِيم واجِب، وَلم ترتقِي إلى حجم المعاناة، لهذا لم يصل صداها إلى آذان المسؤولين في الدولة، ولم تأتِي بنتائج ترفع ولو جزءًا يسير من معاناتنا. كثيرون منّا لم يثقوا بصدق نوايا القيادة، حتى شعار "شَهْرِ الْغَضَب" (خُنْتَنِي أَخِي) كان مخجل ويبعث عَلى الاشمئزاز. لهذا لم يصطفّ الشّعب ورائها، فالتجارب السّابقة مع المنتدى عديدة ومخيّبة للآمال بالضَّبط كَقِصَّةِ الرّاعي مع الذّئب. لماذا الرؤساء الذين يملكون القدرة على التغير لا يأخذوا دورهم في المنتدى!
رغم الاحباطات والفشل، فَقَد كان هناك رابح. المجلس الديني الدرزي استغل البلبلة وضعف قيادة المنتدى، الذي شارك في المحادثات مع مندوبي الدولة بحكم علاقته الوطيدة معها كداعم للمجالس في نضالهم، استغل نفوذه في المنتدى عن طريق بعض الرّؤساء الببغاوات، وكعادته أخمد النّضال، وساق رؤساء السّلطات إلى "مباحثات" مع صغار المسؤولين في الدولة، لِيَخرجوا مع "ورقة وعود جَدِيدَة"! "نتنياهو" لم يهتمّ لوجودها، لكنَّ المجلس الديني نجح في إدخال ميزانيته ضمن ميزانيات المجالس المحليّة الدرزية! المعروفة بـ "الخطة الخماسيّة".
المجلس الديني الدُرزي (الْحالي) في إسرائيل تخلّى عن دوره الرّوحاني الذي ميّز مشايخنا الأجلاء الذين قادوا الطائفةَ دينيًّا عَلَى مَرِّ التاريخ، وعملوا على وحدة الصّفّ الداخليّة ومحاربة الْأيْدِي الدخيلة إلى الدين والمجتمع. مَشايِخنا الذين صانوه ممّن حاولوا إدخال بدعٍ دينيّة، وعملوا على منع تدخّل مؤسّسات الدولة به قدر المستطاع، وحتى من أيّ جهةٍ جسمانيّة درزيّة حاولت استقطاب رجال الدين إليها من أجل مكاسب سياسيّة أو شخصيّة.
السّياسة الجديدة للمجلس الديني، وإن أتت تحت العباءة الدينيّة، فجوهرها بعيدٌ عن الدّين ومُناقضٌ له. الرّئاسةُ الرّوحية قَدْ أصبحت تَرى بنفسها المرجع الأعلى للطائفة الدرزية فِي إسرائيل وتسعى لتكون أيضا المرجع لدروز سوريا ولبنان (ليس دينيا)، وقوّتُها مُستمدّة من دعم الدولة لها! تَرَى أنَّ حجمها وقوّتها أكبر من المنصب الرّوحيّ وبإمكانها أن تلعب دورًا أكبر، له تأثيرٌ على الحياة المدنية في المجتمع الدرزي (وفق ما تظنّ أو وفق ما أُوهِمَتْ به)، كون غالبيّة طلباتها مستجابة من الدولة! بينما طلبات وحقوق منتدى السّلطات المحليّة الدرزيّة والشركسيّة المنتخبة والوحيدة التي تمثل المواطن مهضومة! منتدى السّلطات المحليّة من ضعفه استنجد بالقيادة الدينية لتكون عون له بانتزاع الحقوق، دخلت المحادثات كمساعد وخرجت كلاعب، وأصبحت سلطة مثل باقي السّلطات في منتدى!
لماذا هذا "الكرم" الذي خصّت به الدولة المجلس الديني تحديدًا؟ أكيد ليس من باب المحبّة والاحترام. بَلْ، على ما يبدو، إنّ مشروع الدولة الدرزية ما زال وارد، وإنّ الظروف القائمة في الدول العربيّة مهيّأة لتنفيذ هذا المخطّط بشكل أو بآخر وإِن المجلس الدينيّ جزء وشريك في هذا المشروع: دولة ليست ذات سيادة وجيش، إِنّما منطقة محميّة وموالية لإسْرائيل. ويتطلع المجلس الديني إلى قيادتها، لهذا يطالب ببناء مؤسّسات ومقرّات تحت اسم الدِّين، وزيارته ليستْ عبثا لمؤسّساتٍ دوليّة مثل مبنى الأمم المتَّحدة (حتى وإن كان فارغا) ودولٍ تلعب دورًا محوريًّا في الشّرق الأوسط مثل روسيا ودول أوروبيةٍ أخرى، يشارك في مؤتمرات ليست لها أيّة صلة بمقام الرّئاسة الروحيّة.
يُذكر أنّ أسباب فشل "مشروع" الدولة الدرزيّة سابقا كَوْنهُ لم يحظَ بدعم أيّ زعيم درزي له، بل جميعهم حاربوا الفكرة حتى وأَدوها. فَرغم التاريخ العربيّ الدّامي، الّذِي كُنَّا وما زِلْنا جزءًا منه، تؤكّد التجارب فشل تجربة الدول الدينية أو الاثنيّة، ليس فقط في منطقتنا، إنّما فِي العالم أجمع، وكذلك يثبت التاريخ أنّ عدة شعوب وحضارات اندثرت وكان سببها الْعَوامِلُ الدِّينِيِّة.